فصل: (الانفطار: الآيات 17- 19)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[الانفطار: الآيات 6- 8]

{يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8)}.

.الإعراب:

{أيها} منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب {الإنسان} بدل من أي- أو عطف بيان عليه- تبعه في الرفع لفظا {ما} اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ خبره جملة غرّك {بربّك} متعلق بـ: {غرّك}، {الذي} موصول في محلّ نعت ثان لربّك (الفاء) عاطفة في الموضعين {في أيّ} متعلق بـ: {ركّبك}، و{أيّ} اسم شرط جازم، معرب {ما} زائدة، {شاء} ماض في محلّ جزم فعل الشرط، وكذلك الجواب {ركّبك}..
جملة النداء.. لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {ما غرّك...} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {غرّك...} في محلّ رفع خبر المبتدأ (ما).
وجملة: {خلقك...} لا محلّ لها صلة الموصول (الذي).
وجملة: {سوّاك...} لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: {عدلك...} لا محلّ لها معطوفة على جملة {سوّاك}.
وجملة: {شاء...} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {ركّبك...} لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.

.[الانفطار: الآيات 9- 12]

{كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12)}.

.الإعراب:

{كلا} للردع والزجر {بل} للإضراب الانتقاليّ {بالدين} متعلق بـ: {تكذّبون}، (الواو) حاليّة- أو استئنافيّة- {عليكم} متعلق بخبر مقدّم (اللام) للتوكيد (حافظين) اسم إنّ منصوب {ما} حرف مصدريّ..
والمصدر المؤوّل: {ما تفعلون} في محلّ نصب مفعول به.
جملة: {تكذّبون...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {إنّ عليكم لحافظين...} في محلّ نصب حال من ضمير {تكذّبون}.
وجملة: {يعلمون...} في محلّ نصب نعت آخر لـ: (حافظين).
وجملة: {تفعلون...} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ {ما}.

.الفوائد:

- أعمالك مسجلة عليك: أفادت هذه الآيات أن الإنسان موكل به رقباء من الملائكة، يسجلون عليه أعماله الحسنة أو السيئة، وهم مطلعون عليه في جميع أحواله. وقد ورد ذلك في سورة (ق) في قوله تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي ما يتكلم من كلام يخرج من فيه إلا اطلع عليه ملك حافظ وملك حاضر أينما كان، فهما لا يفارقانه إلا وقت الغائط، وعند جماعه، وعند انكشاف عورته المغلّظة، فإنّهما يتأخران عنه، فلا يجوز للإنسان أن يتكلم في هاتين الحالتين حتى لا يؤذي الملائكة بدنوهما منه ليكتبا ما يقول. قيل: إنهما يكتبان عليه كل شيء يتكلم به حتى أنينه في مرضه، وقيل: لا يكتبان إلا ما له أجر أو ثواب أو عقاب.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا، وإذا عمل سيئةقال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات، لعله يسبح أو يستغفر».
وجدير بالذكر، أن اللّه عز وجل غني عن توكيل ملائكة بالعباد، فهو مطلع على كل شيء، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، ولكن كتابة أعمال الإنسان وأقواله تكون حجة عليه يوم القيامة، كما أن شعوره بملازمة الملائكة له تزيده رهبة وخشية وقربا من اللّه عز وجل.

.[الانفطار: الآيات 13- 16]

{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَها يوم الدِّينِ (15) وَما هُمْ عَنْها بِغائبين (16)}.

.الإعراب:

(اللام) المزحلقة للتوكيد (في نعيم) متعلق بخبر إنّ، ومثله {لفي جحيم}.. {يوم} ظرف زمان منصوب متعلق بـ: {يصلونها}، (الواو) عاطفة {ما} نافية عاملة عمل ليس {عنها} متعلق بـ: (غائبين)، (غائبين) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما..
جملة: {إنّ الأبرار لفي نعيم} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {إنّ الفجّار لفي جحيم} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: {يصلونها...} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {ما هم عنها بغائبين} لا محلّ لها معطوفة على جملة {يصلونها}.

.البلاغة:

الوصل: في قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم}.
في الكلام- من مقتضيات الوصل- اتفاق الجملتين في الخبرية والإنشائية مع الاتصال، أي الجامع بينهما هنا التضاد.

.[الانفطار: الآيات 17- 19]

{وَما أَدْراكَ ما يوم الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يوم الدِّينِ (18) يوم لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يومئِذٍ لِلَّهِ (19)}.

.الإعراب:

(الواو) استئنافيّة {ما} اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ في المواضع الأربعة {يوم} خبر المبتدأ ما الثاني والرابع {يوم} الثالث متعلق بفعل محذوف تقديره يجازون، {لا} نافية {لنفس} متعلق بـ: {تملك} بتضمينه معنى تقدّم (الواو) حاليّة {يومئذ} ظرف منصوب- أو مبنيّ- بدل من يوم الأخير {للّه} خبر المبتدأ {الأمر}.
جملة: {ما أدراك...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {أدراك...} في محلّ رفع خبر المبتدأ (ما).
وجملة: {ما يوم...} في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل {أدراك}.
وجملة: {ما أدراك...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: {أدراك (الثانية)} في محلّ رفع خبر المبتدأ {ما} الثالث.
وجملة: {ما يوم الدين.. (الثانية)} في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل {أدراك} (الثاني).
وجملة: {لا تملك نفس...} في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: {الأمر... للّه} في محلّ نصب حال من فاعل {تملك} والرابط مقدّر. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

82 سورة الانفطار:
مكيّة.
وآياتها تسع عشرة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[الانفطار: الآيات 1- 19]

{إِذَا السَّماءُ انفطرت (1) وَإِذَا الْكَواكِبُ انتثرت (2) وَإِذَا الْبِحارُ فجرت (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأخرت (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَها يوم الدِّينِ (15) وَما هُمْ عَنْها بِغائبين (16) وَما أَدْراكَ ما يوم الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يوم الدِّينِ (18) يوم لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يومئِذٍ لِلَّهِ (19)}

.اللغة:

{بُعْثِرَتْ} قال الزمخشري: بعثر وبحثر بمعنى وهما مركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما والمعنى بحثت وأخرج موتاها وقيل لبراءة المبعثرة لأنها بعثرت أسرار المنافقين.
وفي المختار: بحثره فتبحثر أي بدده فتبدد وقال الفراء: بحثر متاعه وبعثره أي فرّقه وقلب بعضه على بعض وقال أبو الجراح: بحثر الشيء وبعثره أي استخرجه وكشفه.

.الإعراب:

{إِذَا السَّماءُ انفطرت وَإِذَا الْكَواكِبُ انتثرت وَإِذَا الْبِحارُ فجرت وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأخرت} {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه و{السماء} فاعل لفعل محذوف يدل عليه المذكور وجملة {انفطرت} مفسّرة وجملة (انفطرت السماء) في محل جر بإضافة الظرف إليها والظرف متعلق بالجواب وهو {علمت} وما بعده عطف عليه و{البحار} و{القبور} نائب فاعل لفعل محذوف وجملة {علمت} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم و{علمت نفس} فعل وفاعل و{ما} مفعول به وجملة {أخرت} لا محل لها لأنها صلة {ما}.
{يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} {يا} حرف نداء و{أيّها} منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب بـ: {يا} والهاء للتنبيه و{الإنسان} بدل و{ما} اسم استفهام مبتدأ وجملة {غرّك} خبره و{بربك} متعلقان بـ: {غرّك} و{الكريم} صفة لربك.
وقرأ ابن جبير والأعمش {ما أغرك} فاحتمل أن تكون أن استفهامية وأن تكون تعجبية.
وإنما قال سبحانه: {الكريم} دون غيره من أسمائه الحسنى وصفاته لأنه تعالى كأنه لقنه الإجابة حتى يقول: غرّني كرم الكريم.
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك} {الذي} صفة ثانية لربك مقرّة بالربوبية وجملة {خلقك} صلة {الذي}، {فسوّاك} عطف على {خلقك} وكذلك {فعدلك}.
{فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ} الجار والمجرور متعلقان بـ: {ركبك} و{ما} زائدة وجملة {شاء} صفة لـ: {صورة} والمفعول به محذوف أي شاءها والمعنى وصفك في أيّ صورة اقتضتها مشيئته من حسن ودمامة وطول وقصر وذكورة وأنوثة، وعدلك أي صيّرك معتدل القامة متناسب الخلقة من غير تفاوت. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال أي ركّبك حال كونك حاصلا في بعض الصور.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يتعلق بعدلك ويكون في أيّ معنى التعجب أي فعدلك في صورة عجيبة. {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} {كلا} حرف ردع وزجر وبل حرف إضراب انتقالي إلى بيان السبب الأصيل في اغترارهم.
وعبارة الراغب: {بل} هنا لتصحيح الثاني وإبطال الأول كأنه قيل ليس هنا ما يقتضي أن يغرّهم به تعالى شيء ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه. و{تكذبون} فعل مضارع مرفوع وفاعل و{بالدين} متعلقان بـ: {تكذبون}.
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ} الواو حالية مقررة للإنكار والجملة حالية من الواو في {تكذبون} أي تكذبون والكتبة يكتبون كل ما يصدر عنكم ويجوز أن تكون الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لإخبارهم بذلك ليرتدعوا عما هم عليه و{إن} حرف مشبّه بالفعل، و{عليكم} خبرها المقدّم واللام للتأكيد وحافظين اسم إن أو هو صفة لاسمها أي ملائكة، و{كراما} نعت لـ: (حافظين) و{كاتبين} نعت ثان.
{يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ} الجملة نعت ثالث و{يعلمون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل و{ما} مفعول به وجملة {تفعلون} صلة والعائد محذوف أي تفعلونه.
{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} الجملة مستأنفة مسوقة للإجابة عن سؤال مقدّر تقديره لم يكتبون ذلك فكأنه قيل ليجازي الأبرار بالنعيم والفجّار بالجحيم.
وإن واسمها واللام المزحلقة و(في نعيم) خبرها وجملة {وإن الفجّار} إلخ عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في إعرابها.
{يَصْلَوْنَها يوم الدِّينِ} الجملة حال من الضمير من الجار والمجرور وهو {لفي جحيم}، و{يصلونها} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والهاء مفعول به و{يوم الدين} ظرف متعلق بـ: {يصلونها}، ويجوز أن تكون جملة {يصلونها} مستأنفة مسوقة للإجابة عن سؤال مقدّر تقديره وماذا يئول إليه أمرهم في الجحيم.
{وَما هُمْ عَنْها بِغائبين} أراد يصلون النار يوم الدين وما يغيبون عنها قبل ذلك أي في قبورهم.
{وَما أَدْراكَ ما يوم الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يوم الدِّينِ} الواو عاطفة و{ما} اسم استفهام إنكاري في محل رفع مبتدأ وجملة {أدراك} خبر و{أدراك} فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره هو والكاف مفعول به أول و{ما} اسم استفهام معناه التهويل والتعظيم في محل رفع مبتدأ و{يوم الدين} خبره والجملة المعلقة بالاستفهام سدّت مسدّ مفعول {أدراك} الثاني.
قال ابن عباس: كلّ ما في القرآن من قوله: {ما أدراك} فقد أدراه وكل ما فيه من قوله: {وما يدريك} فقد طوى عنه.
{يوم لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يومئِذٍ لِلَّهِ} {يوم} مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر وجعله أبو البقاء ظرفا متعلقا بمحذوف تقديره يجازون، وقرئ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أو بدل من {يوم الدين}، وجملة {لا تملك} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{نفس} فاعل والتنوين للتعميم أي كل نفس و{شيئا} مفعول به و{الأمر} مبتدأ و{يومئذ} ظرف أضيف إلى مثله متعلق بمحذوف حال والتنوين عوض عن جملة و{للّه} خبر الأمر.

.البلاغة:

1- في قوله: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم} الوصل وقد تقدم القول في الوصل والفصل وفيه من مقتضيات الوصل اتفاق الجملتين في الخبرية والإنشائية مع الاتصال أي الجامع بينهما وهو هنا التضاد.
2- وفي هاتين الآيتين أيضا فن الترجيع وهو ضرب من السجع وذلك أن تكون كل لفظة في صدر البيت أو فقرة النثر موافقة لنظيرتها في الوزن والروي والإعراب ومما ورد منه شعرا قول أبي فراس:
وأفعالنا للراغبين كريمة ** وأموالنا للطالبين نهاب

.اهـ.